لا تؤجل العطاء
غفران فاروق بوظان
علي من عائلة مكونه من ثلاث أولاد يعيشون في قرية لا يوجد فيها كهرباء عاشوا حياة طفولية صعبه جدا لا يملكون شيء وكان والدهم صارما لأنهم كانوا يعيشون حالة من الفقر والجوع كلما أرادوا شيء من والدهم كان يرفض دائما...ولكن في يوم من الايام جاء والدهم قال لهم سأشتري لكم سراويلا ففرحوا كثيرا وبدؤا يتخيلوا أنفسهم وهم يرتدون تلك السراويل والفرح بدا على وجوههم كان علي في الصف الثالث, وكان أخوه في الصف الأول, وأصغرهم رأفت كان في السادسة من عمره فسأل رأفت أخاه علي ما لون السروال الذي تريده جاوبه قائلا أريده أسود فقال رأفت ياليت سروالي يكون أزرق فسأله علي لماذا قال له لا أريد أن أكون مثلكم وأرتدي سروالا منفوش عند ذهابي للمدرسة يقول علي بعدها أتت الحافلة التي كانت تحمل أمالنا بداخلها انتظرنا وصول السراويل التي طالما حلمنا بها فتح أبي الصناديق وأعطاني سروال أسود و حذاء بلاستيكي ولأخي المتوسط نفسها أما رأفت الذي كان في السادسة من عمره حلم كثيرا بالسروال الأزرق وتفاخر به أمامنا بدأ يبحث في الصناديق وفتحها كلها ولم يجد لنفسه شئ فنظر الى والدي وعيناه كلها أمل فسأله أين سروالي فأجاب والدي سأشتري لك في المرة القادمة فخرج من الغرفة و هو يبكي ... في اليوم التالي ذهبت صباحا الى المدرسة وعندما عدت قال لي رأفت كم لاق عليك...!
وسألني هل يمكنني أن أرتديه حتى ولو لمرة واحدة فقلت له مستحيل سيتسخ توسل لي في اليوم التالي ولم أعطه إياه وفي اليوم الثالث أيضا ولم أعطه وفي اليوم الرابع توسل من جديد فقلت له كبير عليك لأتهرب منه فقال لي سأثني أطرافه أريده لمدة خمس دقائق فقط لأنظر على نفسي في المرآة...
فقال له علي: غدا يوم الجمعة سأعود من المدرسة وأسمح لك أن ترتديه لمدة خمس دقائق فقط دون أن يتسخ
يقول علي أنا وأخوتي جميعنا كنا ننام على نفس السرير فنخزني أخي رأفت وقال لي لم تتراجع عن إتفاقك أليس كذلك فقلت له لا لن أتراجع فقال لا أستطيع النوم من كثرة التفكير في السروال سألبسه غدا ...
استيقظت في الصباح قال لي رأفت عد اليوم مبكرا انني أنتظرك على الباب ... ذهبت إلى المدرسة دخلت الفصل بعدها فتح باب الفصل دخل المدير وأخبر المعلم بشئ أدى إلى تغير لون وجهه أتى المعلم نحوي وقال لي يا بني إذهب إلى المنزل والدك ينتظرك فظننت أن الشقي جنن أبي وأضطره أن يحضرني من المدرسة بسبب السروال
خرجت من المدرسة دون أن أدرك ماذا يحدث فلاحظت أن الجيران يسيرون باتجاه منزلنا فنظرت إلى المكان الذي أخي كان ينتظرني فيه ولم أجده
دخلت البيت وجدت أمي تبكي بحرقة علمت أن رجل عجوز دهس اخي بجراره ليمت اخي تحت الجرار في ذلك اليوم ... اخي مات في نفس اليوم الذي كنت سأجعله يرتدي فيه السروال نظرت إلى والدي فرايت دموع الندم تملأ عيناه لأن أبي لم يكن يعبر لنا عن حبه ومشاعره تجاهنا ولم يحتضننا أبدا جاء ابي ليحتضن أخي رأفت وهو يبكي بحرقة فقال له كان علي أن لا أخذك إلى القبر بل إلى السوق لأشتري لك السروال الذي تريده ...
كنت أتمنى لو أنني أعطيته سروالي وأتمنى لو أن أبي كان يعبر عن حبه لنا ولكن صرخ وعبر في الوقت الذي لم يستطع أن يسمعه فيه
يجب علينا أن لا نؤجل العطاء وأن نظهر حبنا لمن نحبهم حتى لانشعر في الندم بعد
فوات الآوان